قريبا

رواية الغثاء – أحمد صلاح سابق

نعم، تعرضت فاطمة لمختلف أنواع التهديدات التي تتعرض لها سائر نسوة المدينة، من دون أن تخرج هذه الأفعال في أشد حالاتها سوءًا عن حدود المضايقة اللفظية، أو التحرش الممكن احتماله! غير أن ما حدث لها منذ بضعة أسابيع على يد جماعة من الرعاع، سَطَرَ مرحلةً جديدةً في حياتها، لم تكن متحققة من قدرتها على مواءمتها أو التكيف معها.

وهكذا، عندما استيقظت من نومها قبل ظهور أول ضوء، عزمت على المضي قدمًا في خطة على قدر من الخطورة، كي لا يتكرر ما كان. اليوم تغادر منزلها للمرة الأولى، بعد أسابيع من العزلة. لم تقض أيامها تلك في بطالة، بل أعدت لليوم عدته. لم تستطع التخفيف من حرارة غضبتها رغم مرور أيامٍ طويلة على الحادث. أتاحت لمشاعر المهانة أن تستحوذ عليها، وتركت نفسها فريسة لأخيلة شريرة وتصورات داهمه، يشتد أوارها بالليل، ثم إذا بها تتماسك وتترسب لما تطلع الشمس. قد يكون التشبيه التمثيلي الأمثل الذي فكرت فيه فاطمة، ضمن تشبيهات تمثيلية أخرى أعملت عقلها فيها وتأملتها، هو غول المرء في بركة من قطران فلزيّ. في الليل ترتفع درجة حرارة السائل اللزج حد الغليان، فتكاد ترى في طبقات الظلمة فقاعات تتولد ببقبقة بطيئة ثقيلة، وتتصاعد منها أبخرة كثيفة خانقة، تحدق بها من كل جهة.

تريد أن تصرخ أو أن تبكي فلا تستطيع. وفي النهار يتخثر القطران ويغلظ، حتى يكبلها ويضغط على أعضائها بقوةٍ وقسوة، فكأنها مدفونة في سبيكة من معدن صلب ساخن. تريد أن تتحرر وأن تتحرك وأن تتنفس، فلا تستطيع. ترقد على فراشها وتجتر خواطرها وما يتشبه لها في اليقظة والمنام من صور الانتقام والعنف المفرط.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

لتحميل ومناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى