قريبا

رواية بين سمائي وأرضك – منى القريناوي

لحظات الألم كلحظات الحب؛ يبحث الموجوع فيها عن رفيقه، كما يبحث العاشق عن ‏حبيبته، فالتشابه في الألم يخلق شيئاً من الألفة التي تبدّد عتمة الوحدة، ويخلق نوعاً من ‏الرضا للموجوعين، فهناك من يشاركهم رحلة آلامهم، بالأحاديث نفسها، والأوجاع ذاتها، ‏والهواجس والمخاوف.‏

ورواية «بين سمائي وأرضك» للكاتبة منى القريناوي يمكن اعتبارها استثنائية في رصد ‏مشاعر الألم وماهيته وتجلياته ضمن محكيات الألم، ويبدو ذلك من خلال قدرتها السردية ‏الفائقة على المزاوجة بين العمق التمثيلي في استبطان عوالم المرض، وبلاغتها التصويرية ‏في التقاط تفاصيل الألم العضوي والألم الروحي، والألم النفسي في الآن ذاته، ويتم تظهير ‏الحالة المسرودة في صورة امرأة تواجه مرضها بقوة الإرادة والأمل علّها تنتصر عليه…‏ولأن أي عمل روائي ينتمي إلى العالم الإنساني جملة، فإنه يغدو بتفاصيله قرين ‏الوجود الحي للشخصيات الحقيقية أو المتخيلة التي تسكنه، ونتاج تجاربه؛ نجد أن الروائية ‏لا تفتأ

– عبر جلّ فقرات الرواية وفصولها – تطرح مسائل شائكة؛ يتم التعبير عنها عبر ‏سلوكات الشخصيات وحالاتها النفسية، فتقوم بعرض كل حالة ثم تنفرد بسردٍ نقدي تحليلي ‏‏(نفس – اجتماعي) تحلّل به تلك الحالات (النسوية غالباً)، وتعللها اعتماداً على منطقها ‏الشخصي وثقافتها الواسعة وخبرتها في مجال علم النفس في محاولة للكشف عن أسباب ‏تشكّل تلك الحالات؛ ومنها تأثير اللاوعي في حياة الإنسان، ودور مرحلة الطفولة في مسار ‏المراحل الأخرى، كما في شخصية “رفيف” التي علق في ذاكرتها يوم من أيام المدرسة لم ‏تستطع أن تواجه به المعلمة، فكبر خوفها شابة حتى رضخت لظلم الزوج وخيانته، ومرت ‏سنوات قبل أن تواجه ضعفها وتقوى على مواجهة الحياة. ومثلها تأتي حالة من حالات ‏‏(الألم الروحي) الذي تجسده شخصية “ليلاس” التي قضت طفولتها مع المربية بسبب ‏انشغال الأهل، وعندما شبّت تمنت أن تحلّ مكان أي طفل يرعاه والداه، ولحاجتها إلى الحب ‏والحنان وقعت بلا وعي منها ضحية علاقة حب ذهب معها طهرها ونقاؤها وذهب القدر ‏بصاحبها إلى حتفه!، وتأتي شخصية “عزيزة” لتحضر معها قضية تعنيف المرأة بقوة ‏واستسلامها للإهانة لعدم قدرتها الإنفاق على نفسها، ولكنها ما لبثت أن تجاوزت محنتها ‏عندما ساعدتها “سلام” الشخصية الرئيسية في الرواية على معرفة مكامن قوتها: “قوتنا ‏تنبع من داخلنا، وأريدك أن تعلمي جيداً أن عدوك أو خصمك يستمد قوته من ضعفك ‏وجبنك”…

وهكذا مع كل حالة مسرودة تبدو “سلام” في الرواية كالبلسم الذي يشفي جراح ‏من حولها. ولكن ماذا عنها هي، هل سيحمل لها القدر الحب والسعادة لما تبقى من العمر؟‏«بين سمائي وأرضك» عمل أدبي يتحول معه الخطاب الأنثوي من التقليدي إلى ‏الرومانسي التمرّدي وقد قامت كاتبته “منى القريناوي”، بتظهيره (روائياً) من سياق خيالها ‏متأثرة بواقع خبرتها في المجال النفسي.. صانعة هذه القصة الملهمة.‏

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

لتحميل ومناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى