قريبا

رواية سندس – رولا صبيح

تبرز بوضوح ملامح البيئة الشامية في رواية «سندس» للكاتبة الأردنية رولا صبيح على مستوى الحكاية والخطاب والفضاء الروائي؛ لتشكل إضافة متميزة على طريق الإبداع الروائي النسوي السوري، ويثبت جدارة الكاتبة في باكورة أعمالها في هذا المجال، ويضع القارئ أمام نص روائي جاد يتمتع بواقعية نقدية داخل مجتمع معين؛ تبدو المرأة داخله محكومة بحزمة من العادات والتقاليد والأعراف، ولعلّ الطرف الأكثر حضوراً في هذه الوضعية هو الرجل الذي تفسح له ذكوريته المجال بالتحرر من سلطة المجتمع.

تدور الرواية حول شخصية محورية هي “سندس” التي تتمحور حولها الأحداث، وتنوجد الشخصيات الأخرى من خلال علاقاتها وقربها من هذه الشخصية، وتتحرك الأحداث والشخصيات في إطار مكاني يمتد من دمشق مروراً بعمان ودبي وأميركا وفرنسا ليعود من جديد إلى دمشق، وفي إطار زماني يغطي عشرات السنين من عمر الحكاية وأبطالها ليصل إلى الزمن الراهن، وتتماهى في الرواية الروائية والراوية/سندس، فيتم اعتماد الطريقة المباشرة في السرد بصيغة المتكلم، وبلغة إنشائية، بلاغية، لا تخشى ارتياد المناطق المحرّمة للكلام فتسمي الأحداث وتُوَصف الأشياء بأسمائها، فهي لا تتورع عن وصف مشاهد حسية تنطلق من نقطة معينة وتبلغ نقطة معينة تتجاذبها مشاعر مزدوجة، وسرد يترجح بين الداخل والخارج، الداخل يتناول أشياء الأنثى ومشاعرها وأفكارها وأحلامها، والخارج يضيء الأحداث ومواقف الشخصيات ومواقعها.

وفي هذه الرواية تحكي الكاتبة رولا صبيح قصة “سندس” فتاة من حي الميدان الدمشقي لم تتجاوز الرابعة عشرة من العمر يطرق عريسٌ لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر بابها، فتتزوج لأنه لا يجوز أن تتأخر الفتاة أكثر من ذلك في الزواج فللعادات والتقاليد سلطة لا يُمكن الهروب منها، مهما أحبّ الأهل بناتهم، وما هي إلا أيام وتتحول الطفلة إلى “زوجة” لرجل خائن هو السلطان وهي الجارية التي يتوجب عليها إشباع رغباته وتنفيذ أوامره، ثم “أمٌ” تنجب خمسة أبناء، إثنان من الذكور وثلاث من الإناث؛ تصبر سندس على معاملة الزوج القاسية لأن الطلاق عارٌ لا تتحمله الأسرة بعد زواج الفتاة. تستسلم لقدرها وتهتم بتربية أبنائها، وتنتقل من دولة إلى أخرى، يكبر الأولاد وكل واحد منهم يختار طريقه، تمرّ السنون؛ لتكتشف أنها امرأة ضاع منها الكثير من دون أن تثبت ذاتها كامرأة، لها الحق في الحياة والحب والحرية، وها هي تأخذ قرارها، تغادر سندس أبناءها، بعد أن كانت قد غادرت زوجها، وفي داخلها صوتان، الأول الحرية وإثبات الذات، والثاني العودة إلى الوطن الأم والأهل.. إلى الجذور. عند هذا المشهد تختتم الروائية حياة بطلتها سندس: “… وها أنا أعود من حيث أتيت، أعود إلى سندس، إلى ذاتي. وها هي شوارع دمشق تتراءى أمامي حزينة، يلفها البرد والعتمة، وهاهو ياسمينها الذي أحببته يوماً، يتحول باروداً. دمشق التي سكنتني قبل أن أسكنها، لا أدري هل أغير وجهتي من طائرة باريس التي أنتظرها، وأسأل العابرين عن موعد دمشقي؟ عن وجه والدي الذي تظهر ملامحه في الأفق يأخذني بحضنه؟ هل تعود تلك الطفلة بداخلي؟ تنادي موظفة المطار: على الركاب المسافرين إلى باريس، التوجه إلى البوابة رقم 8”.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

لتحميل ومناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى